كيف وأين ينبغي قلي البطاطس ذات المواصفات العالية؟ وما هي نصائح العلماء التي تتعلق بأفضل طرق إعداد البطاطس المقلية؟ الصحفية العلمية فيرونيك غرينوود تلقي نظرة على الأسرار الخاصة بإعداد ذلك النوع من الطعام باتقان.
أصابع البطاطس المثالية هي التي تجمع بين قشرة خارجية رقيقة، وحشوة ساخنة بيضاء كلون الثلج، وهي توليفة لذيذة تتكون عند قلي أصابع البطاطس في مقلاة عميقة من الزيت الساخن. لكن هل يمكن للعلماء التوصل إلى طرق مثلى كفيلة بتحسين طريقة إعداد ذلك النوع من البطاطس؟
تُوصف طريقة قلي البطاطس بالغمر التام في الزيت بأنها نوع عنيف من الطهي، وهذا وصف دقيق للغاية. فبمجرد ملامستها للزيت، يتبخر البلل الذي يغلف أصابع البطاطس، أو أي نوع من الطعام، فيرسل موجات من البخار الكثيف الذي يؤدي إلى اضطراب الزيت بشدة. وبهذا يصبح الجزء الخارجي للبطاطس جافاً، ويتحول إلى قشرة صلبة.
داخل هذه القشرة الصلبة، ترتفع درجة الحرارة بسرعة فائقة، ويبقى بخار الماء الذي لم يخرج محصوراً في الداخل. وبدلا من خروجه يقوم بإنضاج مادة البطاطس، ليحولها إلى مادة لينة تتكامل بشكل رائع مع صلابة الغلاف الخارجي، لتعطي البطاطس صفة القرمشة من الخارج، واللين من الداخل.
عملية التبخير هذه هي السبب في أن كثيراً من الأطعمة المقلية تحاط بغلاف خارجي من خليط معين، كالسمك وحلقات البصل، وبسكويت الأوريو، وقطع شيكولاتة Mars على سبيل المثال لا الحصر.
هذه القشرة يجب أن تتشكل فوراً، وإلا فإن البخار سيواصل التسرب إلى خارج الطعام المقلي، مما يؤدي إلى جعل الجزء الخارجي لينا، والجزء الداخلي جافا. في الوقت ذاته، سيتسرب الزيت إلى الداخل، ليحول الطعام إلى قوام مائع مشبع بالزيت.
كثير من الأطعمة لا يمكنها تشكيل قشرة خارجية صلبة بالسرعة المطلوبة. لكن الخليط النشوي يمكنه ذلك، وكلما انزلقت الجزيئات النشوية على بعضها البعض، في عملية يطلق عليها "الربط المتبادل"، يُستبعد الماء، ويصبح الناتج أكثر صلابة، مما يعطي ميزة القرمشة.
علاوة على ذلك، تتميز مادة النشا بأن لديها قابلية للتفاعل الذي يتسبب في اللون البني المحمص، وهو أمر مهم للدلالة على أن الطعام مقلي بشكل جيد.
القلي مرتينالبطاطس لا تقلى بتغليفها بخليط خاص بالطبع، فلا حاجة لذلك، لأن البطاطس تحتوي على كميات كبيرة من النشا بشكل طبيعي. يوصف النوع المعروف من البطاطس ذات اللون الأحمر من الخارج عادة بأنه الأفضل لإعداد البطاطس المقلية، نظراً لكونه غني بمادة شبيهة بمادة النشا، وهي مادة مكثفة جداً لدرجة تمنع الزيت من التسرب إلى أعماق البطاطس.
وهكذا، يبدأ الحصول على بطاطس مقلية مثالية باختيار نوع البطاطس، وكل شيء يتبع ذلك يتعلق بالتحكم الجيد في عملية التبخير، وتكوين الغلاف الخارجي الرقيق.
ويتفق معظم الطهاة وعلماء الأغذية على أن أفضل بطاطس مقلية هي التي تقلى مرتين. المرة الأولى على نار هادئة، ومن ثم على نار حامية، وهي المرحلة التي تتكون فيها القشرة الخارجية المقرمشة. (لكن مع ذلك، لا يعتبر القلي مرتين معياراً دائماً، ففي مطاعم مكدونالدز تقشر البطاطس ثم تجمد، وذلك لقليها عند الحاجة فقط).
وبحسب إحدى النظريات، يؤدي القلي مرتين إلى التأكد من نضوج الجزء الداخلي للبطاطس بشكل جيد، لكن تغريدة كتبها الباحث جيه كينجي لوبيز-ألت تفيد بعكس ذلك.
فقد أجرى لوبيز-ألت بعض التجارب، وتوصل إلى أن البطاطس التي تعد بالسلق ثم القلي، بدلا من القلي مرتين، لا تصبح مقرمشة، وتشكل بدلا من ذلك قشرة هشة تنكسر بسهولة. الشيء ذاته انطبق على البطاطس التي أنضجها في الميكرويف قبل القلي، ولذلك فإن المشكلة ليست في الماء الذي يضاف إلى البطاطس لسلقها.
في نهاية الأمر، توصل لوبيز-ألت إلى أن الزيت في عملية القلي الأولى يغير من بنية الغلاف الخارجي لأصابع البطاطس. أما الماء الذي جاء من عملية السلق فيتبخر، وتختلط مادة النشا التي تخرج بفعل حرارة الزيت بما تبقى من ذلك الماء لتشكل مادة هشة الملمس.
هذه المادة تتسرب وتنتشر حول أصابع البطاطس، وتعمل على تصلب حوافها.
وعندما تتعرض للزيت الحار في عملية القلي الثانية، تكون أصابع البطاطس جاهزة لتتكون حولها تلك القشرة الأكثر سمكاً، بينما يتحول ما تبقى من الماء إلى بخار. أما الماء المغلي وحده فلا تكفي درجة حرارته لتكوين تلك المادة.
الطهي ثلاث مراتلكن هل البطاطس المقلية مرتين هي الأفضل؟ يعتقد هيستون بلومنثال من مطاعم "فات داك" أن الأمر ليس كذلك. ويرجع الفضل إليه في اختراع وصفة لطهي البطاطس ثلاث مرات. المرة الأولى تتمثل في غليها قليلاً، ثم تركها تجف للتخلص من بقايا الماء.
المرحلة الثانية تتمثل في قليها في زيت درجة حرارته منخفضة نوعا ما، أما المرحلة الثالثة، فتتمثل في قليها في زيت حرارته عالية لتكوين الطبقة المقرمشة الرائعة.
البطاطس التي تنتج من هذه الخطوات الثلاث تكون مبشورة جداً، وذات ملمس صلب من الخارج، مع جوف لين من الداخل، مما يجعلها أفضل بطاطس على وجه الأرض.
أما ناثان ميرفولد، المسؤول السابق في ميكروسوفت، ومؤلف كتاب الطهي "المطبخ الحديث"، فقد ذهب بعيداً في وصفته لإعداد "بطاطس الموجات فوق الصوتية".
لا يمكن بالطبع تطبيق هذه الطريقة في البيت، ولكن النتيجة هي "رائعة بكل تأكيد، وتشعر بها عندما تقضم الغلاف الخارجي للبطاطس، وتتوغل إلى قلبها المنساب من البطاطس المهروسة"، كما يقول الكتاب، وهي عملية يمكن أن تقوم بها إحدى شركات التصنيع الغذائي.
الوصفة تتلخص في وضع البطاطس في محلول ملحي بنسبة تركيز اثنين في المئة، قبل تعريضها لموجات فوق صوتية من آلة مماثلة لتلك التي يستخدمها أطباء الأسنان، والتي تحدث شقوقاً في كل واحدة من قطع البطاطس عن طريق ما تنتجه تلك الآلة من فقاعات صغيرة جداً.
يتلو ذلك، تجفيف البطاطس لتخليصها من الماء، ومن ثم وضعها في زيت تصل سخونته إلى 170 درجة مئوية، لتحويل جزيئات النشا إلى مادة صلبة.
وبعد تبريدها، يعاد قليها لعدة دقائق في زيت درجة حرارته 190 درجة مئوية. الفكرة هنا هي أن الماء يتحول إلى بخار داخل كل فقاعة من النشا موجودة على سطح قطع البطاطس، ما يؤدي إلى انتفاخ هذه الفقاعات.
رغم ذلك، كوكب الأرض ليس هو المكان الأفضل في هذا الكون لقلي البطاطس. قبل عدة سنوات، استخدم الكيميائيان جون ليومباس، وثودوروس كارابانفسيوس، من جامعة ثيسالونيكي في اليونان، جهازاً للطرد المركزي موجوداً في هولندا لإثبات أن البطاطس تُطهى بشكل أفضل في ظل جاذبية تساوي ثلاث مرات جاذبية كوكب الأرض، وهي بيئة مشابهة لتلك المتوفرة على سطح كوكب عطارد.
السبب هو أن بخار الماء الذي ينتج داخل البطاطس أثناء قليها يتفاعل بطريقة مختلفة حسب قوة الجاذبية. ففي ظل جاذبية أقوى من جاذبية الأرض بثلاث مرات، يتسرب الماء إلى كتل أصغر تعمل على تسريع انتقال الحرارة من الزيت إلى البطاطس، مما يُساهم في تكون قشرة سميكة مقرمشة ومثالية.
لكن يبدو أن بلومنثال نسي أن وصفته تلك تحتاج إلى توفر جهاز طرد مركزي كلما أردنا قلي البطاطس في المستقبل.
كل ذلك يدل على أن الطريق إلى إعداد أصابع البطاطس المثالية، سواء قمت بقليها مرتين أو ثلاث مرات، على سطح الأرض أو في الفضاء، يتمثل في التخلص من الرطوبة بالسرعة المناسبة.
بعد ذلك، يمكن لمعزوفة التوازن بين خاصية القرمشة والحصول على بطاطس طرية من الداخل أن تستمر في امتاعنا بأنغامها على الدوام.