الخروب نبات الخروب الذي يهمله الناس كان يوزن بالذهب في العصور الغابرة يعتبر الخروب من أقدم الأشجار وجودا على كوكب الأرض، وهو نبات اعتدالي لكنه ينبت في المناطق التي تمتاز بمناخ بارد في فصل الشتاء، وحار في فصل الصيف، وهي المناطق المعتدلة وجلها حول حوض البحر الأبيض المتوسط. وبعض الكتابات تفيد أن نبات الخروب كان معقله شبه جزيرة العرب والدول المحاذية للقرن الإفريقي، وشمالا إلى اليونان وإيطاليا. وهو نبات لا يوجد في أمريكا الشمالية ومنها الولايات المتحدة وكندا، ويوجد حاليا في الدول المحاذية لحوض البحر الأبيض المتوسط، وهي البلدان المنتجة حاليا لأكبر كمية من الخروب، ومنها اليونان وإسبانيا والبرتغال والمغرب والجزائر وتونس، وقد يوجد كذلك في مصر وبعض بلدان الشرق الأوسط وتركيا.
يتميز نبات الخروب عن سائر النبات بكونه شجرة غابوية دائمة الاخضرار على مدار السنة، وهي الشجرة الوحيدة التي تزهر في أواخر فصل الصيف وبداية الخريف، وبما أن الثمار تنضج في فصل الخريف فالأوراق لا تسقط في هذا الفصل، وتبقى شجرة الخروب خضراء طول السنة.
ونبات الخروب لا تزال أهميته الصحية والطبية مجهولة، لأنه لا يوجد في البلدان المتقدمة، ولذلك بقي إلى هذا الحين دون معطيات بيئية أو غذائية من شأنها أن تجعل منه النبات الأكثر أهمية، وهو نبات يفوق بكثير القهوة، ولا يقارن معها من حيث السلامة الغذائية، فنبات الخروب لا يحتوي على مكونات ذات أعراض سلبية أو جانبية كما هو الشأن بالنسبة للقهوة.
وبما أن الحياة العامة أصبحت على نمط الدول الغربية، خصوصا الإعلام والموضة والتغذية ونمط العيش، فنحن نستبعد أن يقتنع الناس بأهمية الخروب الغذائية والصحية، إلا لما يعلن الإعلام الغربي عن ذلك، وبما أن الخروب لا يوجد في الدول الأمريكية ويعتبر من المواد المنافسة للقهوة، فلا نظن أن الأوساط الإعلامية المحلية قد تفكر في هذا الأمر، ونحن نرى أن الوقت قد حان لنستفيد من الأخطاء التي ارتكبناها بالنقل والتقليد، وأن نعود إلى أصالتنا العربية والإسلامية، واهتمامنا بالمواد المحلية والطب العربي والإسلامي، يحتم علينا أن نبين للناس كل المواد الثمينة، التي خصنا الله سبحانه وتعالى بها في هذا البلد، وخص بها كذلك كثير من البلدان العربية والإسلامية، وخير دليل على ذلك نخيل الثمر والإبل.
يعتبر الخروب من أقدم الأغذية على وجه الأرض، ويعتبر كذلك من الأغذية الطبية التي كانت تساعد الإنسان على مقاومة الأمراض في غياب الطب، بل لم يكن يحتاج الإنسان إلى طب أصلا، لأن الدواء كان مدمجا في الغذاء، وكل المواد الغذائية الطبيعية تحتوي على دواء، وأكثرها المواد النباتية والغابوية على الخصوص وكذا طحالب البحر ولحومه. والخروب من الأعشاب التي كانت تستهلك بكثرة، لوجودها ولأهميتها الصحية، والخروب كان يعجن ويخبز أو يخلط مع الدقيق ليدخل في تركيب الخبز، وهي أذكى طريقة لتسهيل استهلاكه، ويوجد الآن في الأسواق الغربية دقيق الخروب، وهي الدول ا لتي لا تنتج الخروب، بينما لا يوجد في الدول التي لديها ما يكفيها وزيادة مثل المغرب، والمعروف أو السائد أن الخروب يذكر كثيرا في الكتابات القديمة، وقد جاء في بعض الكتابات أن الخروب كان يزن الذهب، ونذكر تناول الخروب كغذاء مميز أثناء شهر رمضان بالنسبة للمسلمين، وكذلك كوجبة مميزة بالنسبة للديانة اليهودية في أيام الأفراح وأتناء العطل. وتناول الخروب أثناء شهر رمضاء له أساس علمي ثابت وربما لم يصل إليه البحث العلمي بعد، وهو أن الألياف الخشبية التي يحتوي عليها الخروب تحول دون الإمساك، خصوصا وأن الصائم لا يأكل كثيرا، وتبقي تركيز السكر في الدم مضبوطا لمدة طويلة. ونلاحظ أن الإنسان كان دائما ذكيا، ورما كان أذكى مما هو عليه الآن، فتناول الخروب أثناء شهر رمضان يجعل الصائم لا يحس بالجوع لأنه يكبح أنزيم الغريلين Ghrelin كما سيأتي ويحول دون ارتفاع السكر في الدم بعد تناول الوجبات. ويملآ القولون لأنه يحتوي على ألياف خشبية رفيعة.
التركيب الكيماوي
تتكون قرون الخروب من مواد ليفية وحبوب داخلية على شكل بزرات، وتكون هذه القرون في حجم قيون الفول لكنها مصطحة ولما تجف تبقى غليظة شيئا ما، ولا يستفاد من قرون الخروب بل تستعمل كعلف للمواشي، فهذه القرون تقطع لاستخراج الحبوب الداخلية التي يستخرج منها مستحلب غذائي طبيعي أما ما تبقى فيستعمل كمكون يدخل في تركيب الأعلاف، وهو أكبر ضياع تشهده البشرية في العصر الحاضر، فكثير من الحبوب مثل الشعير والذرة وكثير من المكونات الغذائية الثمينة تستعمل للحيوانات، ولا يستفيد منها الناس. وكل الأشجار النباتات الغابوية أو البرية تمتاز بمكونات طبية منها المواد الدابغة أو الفلافونويدات والبوليفينولات، والألياف الخشبية المميزة والأملاح المعدنية والفايتمينات. وكثير من المركبات الطبية، والغذائية الهائلة، و الأستروجينات النبايتة phytoestrogènes لا توجد إلا في النباتات الطبيعية أو البرية، وهي مركبات ضرورية للجسم ولا يمكن أن يستغني عنها، وفي غيابها تظهر أعراض في الجسم تسفر عن أمراض مزمنة.
تحتوي 100 غرام من دقيق الخروب على 4.7 غرام من البروتينات و91.5 غرام من السكريات و41 غرام من الألياف الخشبية. ويحتوي الخروب على أعلى نسبة من البوتسيوم 852 مغ والكلسيوم 358 مغ والرايبوفلافين 0.47 مغ. ويحتوي كذلك على أملاح معدنية أخرى بكمية هائلة ومنها الفوسفور 82.4 مغ والمغنيزيوم 55.6 مغ والنحاس 0.5 مغ وعلى الفايتمين E 0.6 مغ والفايتمين B6 0.4 مغ. ولو أن هذه المكونات هي التي تجعل من الخروب مادة غذائية ثمينة وإنما احتوائه على المواد المضادة للأكسدة وهي البليفينولات والفلافونيودات بقدر هائل يجعل من الخروب المادة النباتية الغذائية الأكثر أهمية بالنسبة للطب الغذائي. ويحتوي الخروب على تركيز 4.2 غرام من البليفيولات الإجمالية في الكيلوغرام الواحد من الخروب وليس حبوب الخروب، منها حمض الغاليك والمواد الدابغة وبعض الأنواع الأخرى. ولماذا يكون الخروب مادة علاجية لأن من خاصية البوليفينولات الموجودة فيه أنها تكبح هرمون الغريلين Ghrelin وهو الهرمون الذي يفرز في المعدة ويقوم بتنشيط تحليل المكونات الغذائية من حيث يعمل على لإراغ المعدة بسرعة والإحساس بالجوع. ويتأثر أنزيم الأنسولين من هذا الحادث لأن التخليل السريع للأغذية يجعل السكر يرتفع فيا لدم وهو ما نسميه ارتفاع السكر الناتج عن الأكل بسرعة، Postprandial hyperglycemeia وكلما تعطل هذا الهرمون كلما بقي تركيز السكر مضبوطا في الدم، وكلما بقي كذلك الشخص شبعان، ولذلك كان المسلمون يستهلكون الخروب أثناء شهر رمضان، لأنه يعطل الإحساس بالجوع والشره، وبهذه الخاصية يكون الخروب بمثابة مكون علاجي بالنسبة للمصابين بالسمنة لأنه يحد من كثرة الأكل. وألياف الخروب تنشط خلايا القولون كذلك وتشد الحمضيات الصفراوية ولا تتركها تعود إلى المرارة فيضطر الكبد إلى إفراز الصفراء من الكوليستيرول الموجود في الدم، وهو الحادث الذي يفسر دور الألياف الخشبية في خفض الكوليستيرول.
يبقى نبات الخروب مجهولا لدى المستهلك، لكنه من أهم النباتات الصناعية لأنه يستخرج منه مستحلب طبيعي يستعمل في كثير من المواد الغذائية المصنعة خصوصا المحتوية على دسم لأن مستحلب الخروب لا يترك الدهنيات تنفصل عن المكونات الأخرى كما الشأن بالنسبة لكثير من المنتوجات الغذائية. تقطع قرون الخروب ثم تؤخذ الحبوب الداخلية أو البزرات، لتعالج بحمض السولفيوريك وهي العملية القوية في أساليب استخراج المستحلب. وحمض السولفيوريك المركز له خاصية تدمير المواد العضوية كلها إلا الدهنيات، ولذلك يستعمل في صناعة استخراج المستحلبات. يمزج الحمض مع دقيق حبوب الخروب على درجة عالية لإذابة البروتينان والسكريات والألياف وكل المادة العضوية لتبقى الدهون نقية، وبما أن الدهون لا تتجانس مع الماء، بمعنى أنها لا تختلط بالماء، ففصلها يكون سهلا للحصول عليها على شكل علك أو مستحلب، وبعد فصله وإزالة ما علق به من المواد الأخرى، يجفف ويسحق بدوره ليصبح منتوجا صناعيا بقيمة عالية. أما القرون التي تستخرج منها الحبوب فتستعمل لتغذية الماشية.
المزايا الصحية
ومن المزايا الصحية التي تعزى لإستهلاك الخروب نذكر بعض الأعراض التي يحد منها، ونلاحظ أن هذه الأعراض كلها أصبحت متفشية في المجتمع بكثرة ومنها:
- خفض الكوليستيرول بالدم
- مضاد للأكسدة
- يحد من الإسهالات عند الأطفال والبالغين على حد سواء
- الحساسية والربو لأنه يحتوي على حمض الغاليك
- يخفض الضغط الدموي
- يقي من ظهور سرطان الرئة إذا استعمل بانتظام
- يحد من هشاشة العظام لتركيبته الغنية بالكلسيوم والفوسفور
وربما يتساءل الناس عن كيفية استهلاك الخروب، لأنه ليس منتوج يمكن استهلاكه بسهولة، نظرا لشكله اليابس وكذلك صلابة الحبوب أو البزرات الداخلية، وقبل استهلاكه يجب أو يكون يابسا جدا لكي يسهل طحنه، ومزجه مع مواد غذائية أخرى كالخبز أو الحريرة أو الشربة كما يمكن إضافته إلى بعض المساحيق الغذائية التي تحضر من الفواكه الجافة والدقيقة والتي نسميها محليا بالسفوف. وربما تزال الحبوب الداخلية ويستعمل في الطبيخ كما يستعمل البرقوق الأسود المجفف. والخروب يستهلك كمكون غذائي وليس كعشب للعلاج.
د.محمد فائد